تسعى الدراسة الراهنة، إلى محاولة معالجة موضوع المعايير المعتمدة في الاختيار المهني وعلاقتها بالفعالية التنظيمية، كأحد أهم المواضيع التي تحظى باهتمام مختلف الباحثين والمتخصصين في العلوم الاجتماعية، وخاصة علم اجتماع الموارد البشرية، محاولين بذلك تقصي الواقع السوسيو- تنظيمي للاختيار المهني في علاقته بالفعالية بالمؤسسة الجزائرية، ولقد قمنا بتقسيم هذه الدراسة إلى جانبين نظري وميداني. - جانب نظري: حاولنا من خلاله، توضيح الإطار النظري والتصوري العام للدراسة، بما تضمنه من إشكالية وفرضيات، أهداف الدراسة، أهمية ومبررات اختيار الموضوع، إضافة إلى تحديد مفاهيم الدراسة وعرض الدراسات السابقة، وفي الأخير عرّجنا على الأسلوب الفني المتبع في الدراسة، كما تم توضيح مختلف المداخل النظرية المفسرة للموضوع، ورصد ما قدمته من مبادئ وأفكار في الفكر التنظيمي الكلاسيكي، النيوكلاسيكي والحديث والتي أكدت في مجملها على تلاقي دلالات وأبعاد الاختيار المهني والفعالية التنظيمية في الكثير من الجوانب. - جانب ميداني: حاولنا من خلاله، إتباع إستراتيجية منهجية، متكاملة الهدف منها تشخيص الواقع الفعلي لمتغيري الدراسة، والاقتراب أكثر من فهم المؤسسة المحلية الجزائرية متخذين المؤسسة المينائية بسكيكدة كنموذج، وتشتمل هذه الإستراتيجية المنهجية على جملة من الإجراءات المنهجية بحيث اعتمدنا على المنهج الوصفي باختيار عينة عشوائية طبقية شملت 295 مبحوثا و بنسبة 23 % من مجتمع الدراسة، كما اعتمدنا على تقنية الاستمارة كأداة أساسية في جمع البيانات الميدانية، على اعتبارها الأداة الأكثر تجزئة وتحليلا في البحث العلمي، علاوة على تحليل وتفسير البيانات الميدانية ومناقشتها في ضوء الفرضيات الدراسات السابقة، النظريات، موقعها ضمن نظرية التنظيم، وأخيرا قمنا بطرح بعض القضايا والتوصيات التي أثارتها الدراسة. وهذا سعيا منا، لتوضيح وتحديد أبعاد ومحددات كل من الاختيار المهني والفعالية التنظيمية، بشيء من العمق والتأصيل المنهجي، بالرغم من تعددها واختلاف مجالاتها وأبعادها البحثية من منظمة إلى أخرى، ومن باحث إلى آخر. أهداف الدراسة: انقسمت دراستنا الراهنة إلى: 1- الأهداف النظرية: • محاولة بناء شبكة من المفاهيم المتعلقة بالاختيار المهني والفعالية التنظيمية، وتحديد الخصائص البنائية و الوظيفية لهما. • محاولة إيجاد ترتيب نظري لمختلف الأدبيات المتعلقة بموضوع الدراسة، وذلك من خلال استقراء الإسهامات المعرفية التي قدموها. • محاولة اشتقاق رؤية نظرية تصورية حول الموضوع، وسد بعض الثغرات المعرفية وخاصة ما تعلق منها بمتغير الاختيار المهني، الذي لم ينل اهتماما كبيرا في البحوث الجزائرية. • توسيع مجال البحث أكثر حول هذا الموضوع. 2- الأهداف التطبيقية: • محاولة معرفة طبيعة الارتباطات العلائقية، بين الإجراءات الحديثة في الاختيار المهني وإمكانية الحصول على موارد بشرية مؤهلة. • محاولة معرفة مدى مساهمة المعايير الموضوعية في اختيار الأفراد في تحسين مستوى الخدمات المقدمة. • محاولة معرفة مدى مساهمة المؤهلات الشخصية للمترشحين في زيادة معدل الإستقرار الوظيفي . • التعرف على مدى تأثير الاعتبارات الموضوعية في اختيار الأفراد على درجة تحقيق الأهداف التنظيمية. • محاولة معرفة مدى زيادة مستوى الأداء الوظيفي وفقا لثقافة المؤسسة في اختيار الأفراد. كما صاغت الدراسة تساؤلا أساسيا وخمسة أسئلة فرعية كالتالي: - التساؤل المركزي: - إلى أي مدى تساهم المعايير المعتمدة في الاختيار المهني، في تحقيق الفعالية التنظيمية؟ -التساؤلات الفرعية: 1- إلى أي مدى تساهم الإجراءات المطبقة في اختيار المترشحين، في الحصول على موارد بشرية مؤهلة؟ 2- ما مدى مساهمة الاختيار الموضوعي للأفراد، في زيادة تحسين مستوى الخدمات المقدمة؟ 3- إلى أي مدى تساهم المؤهلات الشخصية، في زيادة معدل الاستقرار الوظيفي؟ 4- إلى أي مدى تؤثر الاعتبارات غير الموضوعية في اختيار الأفراد، على درجة تحقيق الأهداف التنظيمية؟ 5- إلى أي مدى تستطيع المؤسسة من خلال سياستها المتّبعة في اختيار الأفراد، زيادة مستوى الأداء الوظيفي؟ خلاصة النتائج المتوصل إليها: وفي الأخير توصلت الدراسة الراهنة إلى عدد من النتائج، والتي أكدت صدق الفرضية الرئيسية والفرضيات الفرعية وأهم ما كشفت عنه هذه النتائج؛ هو مساهمة الإجراءات الحديثة والمعايير الموضوعية في اختيار الأفراد في تحقيق الفعالية التنظيمية من حيث، (توفر موارد بشرية مؤهلة، تحسين الخدمات المقدمة، زيادة معدل الاستقرار والأداء الوظيفي) هذا، وقد أكدت الشواهد الواقعية والقراءات التحليلية والإحصائية، أن تدخل الاعتبارات غير الموضوعية، في اختيار الأفراد مثل (صلة القرابة، الجهوية، المحسوبية، التمييز بين الجنسين في التوظيف...الخ) تؤثر على درجة تحقيق الأهداف التنظيمية. ويبقى في الأخير أن نشير إلى أن هذا الموضوع، فبالرغم من أننا حاولنا تغطية مختلف مجالاته البحثية المتشعبة والمتعددة الأبعاد والدلالات، ولكنه يبقى موضوعا جديرا بالبحث ويثير الكثير من الجدل والنقاش في مختلف الدوائر العلمية، ويطرح العديد من القضايا والانشغالات البحثية، التي تحتاج إلى مزيد من البحث والمعالجة الأكاديمية أكثر في المستقبل